يراوح سعر المتر المربع للبيت الجاهز بين 200 و400 دولار
شهدت ظاهرة البيوت الجاهزة في السنوات الماضية إقبالاً متزايداً لدى اللبنانيين ولاسيما في القرى والأرياف. غياب الإحصاءات الدقيقة عن نمو هذا القطاع يعوضه تأكيد العديد من الشركات المعنية أن المبيعات تزداد باطراد ما يدفعها إلى التوسع في الاستثمار في هذا المجال، إلا أن العائق الأبرز أمام البيوت الجاهزة يبقى الواقع العقاري في لبنان والسياسات التي يتّبعها المصرف المركزي والمصارف والمطورون العقاريون الذين لا يناسبهم ظهور منافس جديد قد يغير بعضا من قواعد اللعبة
تثير البيوت الجاهزة حماسة كثيرين ينظرون إليها على أنها الحل المرتجى لأزمة السكن في لبنان.
مقاربة الموضوع من هذه الزاوية تحمّل القطاع أكثر مما يحتمل، أقله في الوقت الحالي، أولاً لأن ثقافة البيوت الجاهزة لا تزال قيد الإنتشار عند اللبنانيين، وثانياً بسبب الإستراتيجيات المالية المتبعة التي تولي القطاع العقاري “التقليدي” الأولوية، لكن البيوت الجاهزة تحمل في أساسها متانة كافية، كفيلة بأن تسمح لها بخرق الجدار العقاري “المحصن” سياسياً وإقتصادياً في المستقبل اذا توافرت الظروف الملائمة.
ثلاثة بواحد
إذا أردنا إختصار ميزات البيوت الجاهزة مقارنة بالبيوت التقليدية، للخصناها بأنها “أقل كلفة، أسرع تجهيزا، وآمنة” بحسب ما يؤكد معنيون بهذا القطاع. فمن حيث السعر، يشير صاحب شركة “مندلون” عبد المنعم خليفة إلى أن كلفة البيت الجاهز هي تقريباً ثلث كلفة البيت التقليدي وبإمكان الشاري توفير من 30% الى 40 % من سعر البيت التقليدي. بالنسبة لسعر المتر المربع، فالأرقام التي تقدمها الشركات ومنها شركة “مندلون” و شركة “دلال” و شركة Megaprefab و شركة Malek& Sons Metals تتشابه إلى حد كبير وتراوح إجمالاً ما بين 200 إلى 400 دولار، قابلة للإزدياد بحسب نوعية المواد المستخدمة التي يطلبها الزبون.
هذه المعطيات يؤكدها المهندس زياد صعيبي الذي يوضح أن سعر المتر المربع للبيت الجاهز يقدر بـ 200 دولار فيما سعر المتر المربع من الباطون يناهز 400 دولار. وفي ما يتعلق بسرعة التنفيذ والتسليم فالبيت يكون جاهزاً خلال شهر واحد وفقاً لخليفة ولمديرة المبيعات في شركة “دلال” ماي حمود. طبعاً المدة ليست ثابتة أو حصرية وهي قابلة للزيادة والنقصان بحسب كل حالة. ولكنها وفي مطلق الأحوال تستلزم مدة أقل بكثير من حيث التنفيذ من البيوت التقليدية.
أما لناحية السلامة فيطمئن المهندس جوزيف نادر الى أن البيوت الجاهزة آمنة 100% من حيث الزلازل والحرائق والعواصف والثلوج. ولمن يتخوفون من أنها تستلزم صيانة دائمة ومكلفة يلفت نادر أن صيانتها شبيهة بصيانة البيوت التقليدية وخاصة أن نوعية المواد المستخدمة في البناء تطورت وتحسنت مع الوقت. إنما اذا كان البيت من الخشب فحينها يجب صيانته سنوياً على ما يقول صاحب شركة “مندلون”.
تجدر الإشارة إلى أنه يكفي ترخيص من البلدية لبناء بيت جاهز إن كانت مساحته تقل عن 150 متراً مربعاً.
الشركات متفائلة حتى الآن بمستقبل القطاع وتتحدث عن نمو في المبيعات تحديداً في القرى. واقع شجع شركة Malek& Sons Metals على التوسع وبناء مصنع حديث بكلفة 10 ملايين دولار في منطقة زحلة قادر على تصنيع حوالي 2000 بيت جاهز وهنغار سنوياً.
محرومة القرض
مجرد امتلاك الشاري قطعة أرض يسهل عليه شراء بيت جاهز، لأنه في حال عدم وجود أرض فعندها لن تختلف التكاليف عن تكاليف البيت العادي، لا بل قد تزيد بحسب سعر قطعة الأرض.
لكن اذا كانت الأرض متوافرة فانه يصبح من السهل إمتلاك بيت جاهز وجميل وحديث وخصوصاً في القرى ما يساعد على تجذر السكان في أرضهم ويحد من عمليات البناء العشوائي في العديد من القرى وبتكاليف توازي أسعار البيوت الجاهزة.
برغم هذه الحسنات، من اللافت أن البيوت الجاهزة غير مشمولة بالقروض السكنية. للوهلة الأولى يخيل أن الأمر منطقي لكون هذه المنازل قابلة للتفكيك وبالتالي غير ثابتة ما يزيد من مخاطرها.
إلا أن لنقيب المهندسين خالد شهاب كلاما آخر، إذ يرى أن عدم شمول البيوت الجاهزة بالقروض السكنية “خطأ” لانه يفترض أن تكون القروض “للأقسام المفرزة سواء كانت من خشب أو طين أو أي شيء آخر”. ويكشف أن النقابة تعكف على إعداد دراسة متكاملة عن الموضوع لعرضها على المصارف وخصوصاً أن هذا الأمر معمول به في عدد كبير من بلدان العالم!
ضحية العقار التقليدي؟
بعيداً عن نظرية المؤامرة ومحاولة ربط حرمان البيوت الجاهزة القروض السكنية بمخطط ممنهج، يبقى من المشروع كشف بعض المعطيات ذات الصلة التي وإن كانت لا تحسم بدقة سبب إستبعاد البيوت الجاهزة من القروض السكنية إلا انها كفيلة بكشف بعض ما يدور في القطاع العقاري في لبنان وآفاقه المستقبلية.
الخبير الإستراتيجي في أسواق البورصة العالمية جهاد الحكيّم يشير إلى أن “نمو البيوت الجاهزة قد يؤثر في قيمة العقارات التقليدية ويؤدي في حال إزدهاره إلى إنخفاض الأسعار وتوسيع الرقعة الجغرافية للإستثمار العقاري، وهو ما لا يناسب المصارف ولا المطورين العقاريين، لأن أي إنخفاض في أسعار العقارات سيؤثر في المحفظة المالية للمصارف وفي تصنيفها. ومن هنا الإستماتة من المصرف المركزي والمصارف لمنع إنهيار هذا القطاع”.
ويؤكد الحكيّم أن “المصارف تكتتب في سندات الخزينة الصادرة عن المصرف المركزي لتمويل عجز الخزينة، وهو يرد لها التحية من خلال الحفاظ على النهج المتبع”.
بدوره يرى أحد أصحاب شركات التطوير العقارية في لبنان أن عدم شمول البيوت الجاهزة بالقروض السكنية سببه ان العرض كبير على العقارات اليوم ويتخطى الطلب، وبالتالي ليس من مصلحة أحد إدخال منافسة إضافية على القطاع”.
اللافت في تحليل كل من الحكيّم والمطور العقاري تأكيدهما أن الأسعار ستنخفض بشكل دراماتيكي شبيه بالإنهيار. وقد أكد الخبير العقاري أن الأسعار ستنهار بنسبة حوالي 70% في تشرين الاول المقبل. وبالنسبة لكل منهما فإن “الأسعار غير حقيقية وهي أرخص بكثير مما يعرض، لكن هنالك محاولة ممنهجة لإيهام اللبنانيين بأن الوضع على ما يرام لكي يستمر مسلسل البيع باسعار خيالية”.
لا يزال قطاع البيوت الجاهزة في لبنان في طور النمو. ورغم الزيادة في الطلب خلال السنوات الماضية إلا أن الإستخدام الأساسي لهذه البيوت من الناحية السكنية يبقى منحصراً في الكثير من الحالات بالترف وإستخدامها كخيار ثانوي كشاليهات. لكن، وكما تبين المعطيات، فإن السعر المعقول لهذه البيوت وسرعة تنفيذها ومطابقتها لشروط سلامة البناء كفيلة بجعلها خياراً أولياً للباحثين عن مسكن دائم وقد تساهم اذا جرى دعمها في الحد من مشكلة السكن على المدى البعيد.