لا شكّ أن الاتفاق في شأن برنامج إيران النووي له تداعيات اقتصادية إيجابية على أكثر من صعيد، لكنّه لن يكون بالسرعة المنظورة ويمكن ألاّ يكون بالحجم الذي يُصَوَّر ويُرَوَّج إليه.
يتزامن هذا الاتفاق مع أسعار النفط المنخفضة، مما يُعيق الوصول للانفراج المرجوّ، في الدّاخل الإيراني، بالسرعة المرتقبة. فأسعار النفط الخام انخفضت بحوالي 50 في المئة منذ أقل من سنة حتى اليوم. ناهيك عن أنّ هذا الاتفاق سيُساهم بضغوط انخفاضية إضافية على الأسعار. فعلاوة المخاطر التي كانت مُسَعَّرَة جراء احتمال إغلاق مضيق هرمز أو القيام بأي تصعيد لن تكون موجودة بعد الاتفاق.
أضف إلى ذلك، أن العقوبات لن تُرفع قبل عام 2016، وبالتالي لن يكون هناك أي تأثير على الصادرات الإيرانية النفطيّة، لكنّ الأسواق تقوم بعملية تقييم إستباقية تنعكس بانخفاض تدريجي للأسعار على غرار ما يحصل.
كما أنّ إصرار إيران على استرجاع مركزها كثاني أكبر منتج في أوبك OPEC يمكن أن يُشكِّل تنافس داخلي في أوبك، كون بقية الأعضاء يبغون الحفاظ على مستويات إنتاجاتهم الحاليّة وحصصهم من السوق. إذا لم يتمّ ارتفاع مستوى الطلب على النفط بفعل نمو الاقتصاد العالمي، فذلك سيُشكِّل تحدّياً جديداً وعاملاً ضاغطاً لتراجع الأسعار. فالطلب العالمي على النفط في الربع الأول من 2015 سجّل 91.5 مليون برميل مقابل 93.5 مليون برميل يومياً من حيث المعروض. وبالتالي هناك طفرة بالمعروض مهدّدة بالارتفاع بفعل زيادة الإنتاج الإيراني بـ 500 ألف برميل يومياً في 2016 وصولاً ربما إلى حوالي مليون برميل في نهاية العام.
بما يخصّ الطلب العالمي، فهو يتأثّر بشكل مباشر بالنموّ الصيني، الذي على الرغم من تسجيله نسبة 7 بالمئة زيادة في الناتج المحلي في الربع الثاني من هذا العام، قد شهد انهيار في سوق الأسهم وصل إلى 30 بالمئة من أعلى مستوياته في حزيران 2015، مما يدعو للقلق. كما أنّ الزيادة المرتقبة من الفدرالي الأميركي لمستوى الفائدة هي مبكّرة ويمكن أن يكون لديها إنعكاسات سلبية على نمو الاقتصاد العالمي. من الناحية الفنية نتوقع تراوح أسعار النفط بين 40 و 78 دولار للبرميل الواحد من الآن حتى نهاية 2016.
لكن لا بدّ من أنّ الاتفاق الإيراني الذي سيُحرّر حوالي 120 مليار دولار من الأرصدة المجمّدة سيُساعد الدولة على النهوض الاقتصادي. وسيتترجم هذا الاتفاق بزيادة التبادل التجاري بين إيران وعدّة دول خصوصاً من الجانب الأوروبي الممثَّل بفرنسا، ألمانيا وإيطاليا، من الجانب الآسيوي الممثَّل بكوريا والصين الّلذين لعبا دوراً مهمّاً استثمارياً معوّضين عن الغياب الأوروبي خلال فترة العقوبات. بالإضافة إلى استثمارات من الجانب الروسي والياباني وغيرها من باقي الدول. فإيران تُشكِّل سوقاً كبيراً للسلع الاستهلاكيّة فيها حوالي 80 مليون نسمة وهي بحاجة إلى تجديد أسطولها الجوّي وتحسين البُنى التحتيّة وتجديد مرافئها وتجديد قطاع الطاقة فيها. إنّما يتوجّب على الإدارة الإيرانية خلق بيئة حاضنة ومُحَفِّزة للاستثمارات الأجنبية المباشرة كي تنسحب إلى بقية القطاعات الإنتاجيّة وتُثَبِّت الشراكة مع القطاع الخاصّ.
دُبَي، التي كانت سجّلت نسبة تبادل تجاري وصلت إلى 23 مليار دولار في 2011 قبل العقوبات الأخيرة، قد سجّلت 17 مليار دولار العام المنصرم، وستُعاود الارتفاع بعد إبرام الاتفاق النووي مستفيدةً من دورها الإقليمي للخدمات الماليّة والنقل.
أمّا بالنسبة للبنان، الذي لا يتعدّى تبادله التجاري مع إيران الـ 54 مليون دولار تُشكِّل منها الصادرات فقط حوالي 3 مليون و232 ألف دولار لديه فرصة لتطوير حجم هذا التبادل. ومن المتوقع أن تنشط التجارة المثلّثة، كذلك بعض الصناعات اللبنانية الإستهلاكية المحدودة. ويمكن للمصارف اللبنانية القيام بدور مواكب، وللبنان الاستفادة من الخبرة الإيرانية في مجال الكهرباء،آملين أنّ الخلاف السياسي القائم لن يكون عائقاً أمام إمكانية الاستفادة من هذا الظرف. عدا عن ذلك، يمكن أن نشهد بعض المطوِّرين العقاريّين يقومون بمشاريع عمرانية في إيران، فهم قد تأثّروا سلباً بانهيار أسعار النفط وانعكاسها بانخفاض ملحوظ على أسعار الشقق، والأزمة مُرَجَّحْة للتفاقم في السنين القادمة.
من الناحية الأخرى، يمكن أن يتأثر قطاع كردستان سلباً في العراق، فهو كان يُشكِّل منفذاً مالياً وتجاريّاً لإيران خلال فترة العقوبات. بالإضافة إلى أنّه يمكن أن نشهد انتقال بعض الصناعات الأوروبية من تركيا إلى إيران حيث كلفة الإنتاج أرخص.