أحدث إعلان المؤسسة العامة للإسكان تخفيض معدل الفائدة على القروض السكنية من 5.07% الى 3.28%، “صدمة” إيجابية للطبقة المتوسطة، كذلك للمستثمرين وتجار البناء الذين وجدوا بالتخفيض فرصةً مميزة للمحافظة على الأسعار المرتفعة لوحداتهم السكنية، ولكن ماذا عن الطبقة الفقيرة التي لا يمكنها حتى تأمين الدفعة الاولى في ظل تدني الرواتب، ليجد من ينتمون إليها أنفسهم أمام خيارين، إما التخلي عن أبسط حقوقهم الانسانية، أو الارتهان لقرضٍ مصرفي مدى الحياة.
كثيرٌ من اللبنانيين استبشروا خيرًا بالقرار الجديد، إلّا أن نظرية “الدولة لا تخفض الاسعار لمصلحة أحد” تبقى هي الفكرة السائدة بين الخبراء الاقتصاديين والشباب، على حدٍّ سواء، خصوصاً أنّ الفائدة المخفضة متحركة، مما يعني أنها قد ترفع في وقتٍ لاحق الى ما كانت عليه سابقًا، وفي هذه الحالة تكون الخطوة التي قامت بها المؤسسة مجرّد استقطابٍ للمزيد من الشباب لشراء منزلٍ بأسلوبٍ تحفيزي.
30 سنة دين
قرض الإسكان الذي يمتد ثلاثين سنة حداً أقصى ينقسم الى مرحلتين، الأولى لتسديد رأس المال، أما المرحلة الثانية فهي للفوائد وكلفتها. فبحسب المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان، روني لحود، إذا كان ثمن الشقة 270 مليون ليرة، كان على المواطن سابقًا أن يسدد 270 مليون إضافة الى 114 مليون ليرة فوائد. أما اليوم، ومع التخفيض، فلا يدفع المقترض سوى 57 مليون ليرة إضافية، معتبرًا أنها “استفادة متبادلة ما بين التاجر والزبون، فالأول قد باع شقته اما الثاني فقد استفاد من التخفيض، حتى لو أنّ الفائدة متحركة وقد تتغير في السنوات المقبلة لأنّ ارتباطها يعتمد على مردود سندات الخزينة سنويًا، وفي حال ارتفعت السندات ترتفع الفائدة والعكس صحيح”.
وفي هذا السياق ورداً على نظرية تعتبر ان التخفيض ليس “سوى فخّ”، أكد لحود أنّ “القضية عملية حسابية واقتصادية وليست “لعبة” أو فخاً لدفع الشباب للإقبال على الشراء”، رافضًا في الوقت نفسه الحديث عن الركود في القطاع. فعلى عكس ما يشاع، الأرقام في العام الماضي لا تشير ابدًا الى ركود للشقق الصغيرة والمتوسطة الحجم، فأكثر من 5 آلاف و40 عائلة تملكوا عبر الإسكان، وتم ضخ ما يقارب الألف مليار ليرة لبنانية في السوق العقارية، ناهيك بأنّ أكثر من 38 قطاعًا استفاد من عملية البيع والشراء، الأمر الذي ساهم في تحريك العجلة الاقتصادية، بينما كان الطلب في العام 2015 منخفضًا بحدود 400 طلب عن العام 2016.
وعن نسبة ارتفاع الطلب منذ إعلان تخفيض الفائدة، أكد لحود أنّ الإحصاءات لا يمكن أن تعطي أرقامًا سريعة، إلّا أنّ الطلب ارتفع نسبيًا بنحو 10%، ولكن الأمر لا يتوقف على تخفيض الفائدة، بل هناك عوامل سياسية وأمنية ايضًا، ساعدت في الإقبال على طلب القروض.
الوقت الخطأ
بدوره، أكد الخبير الاستراتيجي في أسواق البورصة والشؤون الاستثمارية جهاد الحكيّم أنّ “الدولة تحاول تشجيع الناس على الشراء في الوقت الخطأ، فالركود في القطاع رغم الإقبال، يبقى مرتفعًا. فثمة نسبة كبيرة من الشقق الخالية، فلا أصحابها قادرون على البيع ولا الشباب بامكانهم حتى تسديد الدفعة الأولى في ظل الرواتب الهزيلة لدى معظم المؤسسات، بينما مصرف لبنان يحاول إغاثة المطورين العقاريين عبر تخفيض الفوائد لمساعدتهم في التخلص من وحداتهم السكنية، مؤكدًا بأنّ الأسعار قابلة لمزيد من الانخفاض وما على الشباب سوى الانتظار قليلًا، خصوصاً أنّ الفائدة التي خفضت متحركة، والاستفادة قد تكون لفترة قصيرة وليست على المدى البعيد”، مستغربًا “كيف لدولة أن تفرض ضرائب على الربح العقاري من جهة، وتخفض الفائدة على القروض من جهة اخرى، لنصبح أمام تضارب بين السياسة المالية والسياسة النقدية!”.
الحكيّم الذي يرى ان تخفيض الفائدة “مجرد فخّ بتشجيع الشباب للشراء في الوقت الخاطىء”، اعتبر أنّ “الناتج المحلي للمواطن اللبناني في تراجع مستمر، فالمساعدة لا تكون عبر تخفيض الفوائد فقط، فهم بالأساس لا يملكون الدفعة الاولى أما معظم المغتربين فأحوالهم لا تبشر بالخير مع تراجع أسعار النفط، فالأسواق اللبنانية تعتمد بمعظمها على التحويلات الخارجية، سواء أكانت خليجية أم من دول الاغتراب الأخرى، ومع انخفاض أسعار النفط تضاءل حجم الإنتاج اللبناني في الخليج، ما أجبر عدداً كبيراً من المغتربين على بيع شققهم باسعار منخفضة، اما الخليجيون فلم يعد لبنان وجهتم ويحاولون البيع من أي مقتدر”.
تراجع ملحوظ
أسعار العقارات تشهد تراجعًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، إلّا أنّ عدداً من الشباب لم يعد بإمكانه الانتظار. جمال ضاهر، شاب ثلاثيني ينجز معاملاته للحصول على منزل خارج العاصمة بيروت عبر مصرف الاسكان، بعدما اثقلت كاهله الايجارات. فإيجار شقته في بيروت يبلغ 650 دولاراً اميركياً شهريًا، ما دفعه للبحث عن مسكن لعائلته في صيدا، والاسعار في عاصمة الجنوب انخفضت
نظرًا لأن الكثير من الوحدات السكنية عرضت للبيع من المصروفين من الخليج، مفضلًا تمضية وقته بالتنقل على الطرقات من صيدا الى عمله يوميًا على السكن في شقة في بيروت لا تزيد مساحتها على 100 متر مربع، بينما تزيد مساحة شقته الجديدة على 200 متر وبسعر لا يتجاوز 120 الف دولار، مؤكدًا ان اقدامه على الشراء لا علاقة له بتخفيض الفائدة فهي تبقى مرتفعة، والاسعار جنونية والتجار لا يقبلون بالربح المعقول، وسط غياب اي سياسة من الدولة لبناء مساكن شعبية أو حتى إنشاء مواصلات عامة متطورة تسهل على المواطن السكن في مناطق بعيدة وبأسعار مقبولة جدًا، بينما السياسة المتبعة حاليًا هي تخفيض الفائدة وفرض شروط تعجزية على المواطن للحصول على ابسط حقوقه بالسكن.
اما عاطف انطاكي، من سكان برج حمود، فقرر الانتقال بعد الزواج الى جبيل او احدى القرى المجاورة لها. فجبيل بحسب رأيه ثاني افضل مدينة بعد بيروت، والأسعار ليست جنونية، وتتميز بقربها من البحر وبهدوء يعتبره حلماً مقارنةً بمسكنه الحالي، الا ان الحلم الذي يسعى اليه سيرهقه في السنوات القليلة المقبلة، فالدفعة الاولى تكلفه العمل يوميًا لما يزيد على 16 ساعة، بالمقابل تؤمن خطيبته أثاث المنزل، ورغم “دفن” حياتهما اليومية في العمل فهما بالكاد يستطيعان تسديد ديونهما والمستحقات المالية.
رغم ان الفكرة السائدة في لبنان بأن لا انخفاض حقيقياً في الأسعار، الا أن الأمل يبقى لدى الشباب بإعادة الأمور الى طبيعتها او اقله تحسين شروط الحصول على قرض سكني، او طرح فكرة ناطحات السحاب في بعض المناطق، مدعومة من الدولة خصوصاً أن سعر متر بعض الشقق تخطى الـ5000 دولار أميركي وسعر متر الأرض الـ30 ألف دولار أميركي، الا ان انتظار الدولة للتخفيف عن ذوي الدخل المحدود أشبه بمعجزة صعبة التحقق.