لا يُمكن ارساء موضوع القطاع العقاري في لبنان على برّ، اذ تختلف الآراء والنظريات الاقتصادية التي تتنبأ بمستقبل هذا القطاع بين أرض الواقع وبين النظريات وتوقعات السوق.
وبين خبراء متشائمين، ومطورين يحاولون تمنين النفس باستقرار “هش”، ضاعت بوصلة أسعار الشقق وخصوصاً في بيروت. ويتوقع اقتصاديون منذ أربعة أعوام، انفجار فقاعة العقارات اللبنانية على غرار ما حدث في دبي والولايات المتحدة، خصوصاً بعد ارتفاع في الأسعار ناهز 25% في فترات متلاحقة بين عامي 2007 و2010.
ويقود هذه التوقعات المحلل الاقتصادي جهاد حكيّم الذي يتوقع أن تنخفض أسعار الشقق بدءاً من تشرين الأول من العام الجاري لتصل النسبة الى 40% نهاية العام 2017، مشيراً إلى أن هذا الانخفاض سيعني انهياراً تاماً لهذا القطاع في لبنان.
ويعتمد حكيّم في تحليله على دراسة أعدها بنفسه لسوق العقارات، اذ قال في حديث لـ “المدن” إن أسعار العقارات في لبنان مرتبطة بعوامل عديدة. ولتحليل والتنبؤ بأسعار السوق يجب ملاحظة عوامل أساسية منها سعر برميل النفط، بالاضافة الى الأوضاع الاقتصادية في الدول الأفريقية والأوروبية، بالاضافة الى أسعار المواد الأولية.
ويُسهب حكيّم في شرح نظريته بالقول إن السوق اللبناني يعتمد بمعظمه على العامل الخارجي، سواء كان خليجياً أو لبنانياً مغترباً. ومع انهيار أسعار النفط تضاءل حجم الانتاج اللبناني في الخليج، اضافة الى توجه نحو عدم الاقبال الى لبنان سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي من قبل هذه الدول، ساهم في خفض أسعار العقارات، أو “اعادة التصحيح” وفق ما يفضل بعض المطورين تسميته.
ووفق الدراسة التي أعدها وتناولت الاحصاءات بين عامي 2001 و2016، لاحظ حكيّم ترابطاً مباشراً بين تحويلات المغتربين وبين تغير أسعار النفط في العالم، مستنتجاً أنه بعد 20 شهراً من انخفاض أسعار النفط تبدأ بوادر التأثر في تحويلات المغتربين. الأمر الذي يفسر اختياره تاريخ تشرين الأول 2016 موعداً لهذا الانخفاض. اضافة الى مشكلة التحويلات، فان انخفاض اسعار النفط يؤدي ايضاً الى تخفيض اليد العاملة بشكل عام، واللبنانية بطبيعة الحال، وأكبر مثال عما سبق شركة “بن لادن” السعودية التي صرفت ما يزيد عن 5 آلاف موظف في الأشهر القليلة الماضية.
كما لفت حكيّم الى الدول الأفريقية وتحديداً 17 دولة افريقية يتواجد فيها الكثيرون من اللبنانيين وتأثيرها على تحويلات المغتربين، اذ تستعمل هذه الدول عملة “CFA” المرتبطة مباشرة باليورو. وعند انخفاض اليورو، انخفضت القدرة الشرائية في اوروبا والبلدان الأفريقية التي تستعمل هذه العملة، ما سيؤثر بطبيعة الحال على تحويلات اللبنانيين المقيمين فيها.
إضافة الى ما سبق، يأتي الاعتماد الكبير على استيراد المواد الاولية للبناء من القارة الاوروبية والتي تُسجل 34% من مجمل المواد الاولية المستوردة، بالتزامن مع انخفاض اليورو ليخفض من كلفة البناء، ما يُمكن المطورين من البناء على أسعار حديد لا تزيد عن 300 يورو للطن، في حين كان سعر الطن في وقت سابق يناهز 1200 يورو.
وتلعب وفرة اليد العاملة الأجنبية العاملة في قطاع العقارات عاملاً اضافياً في المساهمة في “الانهيار المرتقب” لاسعار العقارات، خصوصاً اذا ما تزامنت مع العوامل مسبقة الذكر وعوامل اضافية متمثلة في جمود شبه تام لحركة بيع الأراضي “السليخ” الصالحة للبناء ما يُمكن الشاري من فرض سعره على البائع.
هذا الانهيار المرتقب اثار استغراب المدير العام لشركة “رامكو” رجا مكارم، الذي أكد في حديث لـ “المدن” استقرار السوق، مع اعتراف ضمني بجموده في السنوات القليلة الماضية. وأكد مكارم أن هناك ركوداً كبيراً في سوق العقارات، اذ تعتبر هذه الفترة “فترة الشاري” أي أنه يستطيع تحديد سعر العقارات بحسب حاجة المطور للسيولة. فالشاري الذي يستطيع دفع كلفة الشقة، يُمكنه أن يفاوض بحرية اليوم على أسعار الشقق مع المطورين، خصوصاً اولئك الذين لا يملكون سيولة نقدية كبيرة. ووفق دراسة مؤشرات الأسعار التي أعدتها الشركة على المشاريع قيد الانشاء في بيروت والتي شملت المشاريع التي يفوق سعر المتر فيها 2500 دولار، فان هناك انخفاضاً قُدّر بـ 1.2% بين عامي 2014 و2015، مع ملاحظة نسبة الانخفاض التي سجلت بين عامي 2013 و2014 والتي بلغت 0.2% فقط.
واستبعد مكارم حدوث انهيار للأسعار، ولكنه لم ينكر اقتصار الطلب على العقارات على السوق الداخلية اللبنانية، مشيراً الى أنه في الأعوام القليلة الماضية، يُمكن القول أن الطلب على العقارات كان بمعظمه خارجياً بنسبة وصلت بتقديره الى 60% للمغتربين والأجانب، ولكن هذا العام شهد انقلاباً لهذه الأرقام اذ أصبحت نسب الطلب الداخلي على العقارات تصل الى 80%.
واشترك كلّ من مكارم وحكيّم في تقديرهم للآثار الاقتصادية الناتجة عن هذا الجمود، اذ اعتبرا أن صغار ومتوسطي المطورين هم من سيتضررون من هذه الفترة خصوصاً اولئك الذين استثمروا كل أموالهم الشخصية أو لجأوا الى القروض لتغطية كلفة مشاريعهم.
ويبقى المواطن هو المستفيد الأكبر من هذه المعادلة، وان كان على حساب الناتج المحلي الاجمالي في لبنان الذي سينخفض بشكل واضح اذا ما “انهارت” اسعار العقارات في لبنان.