في زمن غاب فيه كلّ شكل من أشكال المنطق والعلوم، حتى الحسابية منها والمعروفة بأنها لا تحتمل الشكّ، بات معيار الاستثمار والدافع وراءه الإشاعات المُضلّلة والتمنيات، وكذلك الأساطير.
قام أهل الاقتصاد، أو من يدّعون ذلك، وأصحاب المصالح، بدفع الشباب اللبناني إلى شراء شقّة تؤويهم بغية الزواج، وذلك في أسوأ توقيت ممكن.
لم تكتفِ هذه المنظومة بذلك، بل قامت بتصوير الشباب اللبناني الذي لا يتملّك شقّة أو منزلاً بأنه غير مؤهّل للزواج، من خلال بروباغندا مُمنهجة استباحت الوسائل المتاحة كافة لتسويق هذه الفكرة وترسيخها، مجاهرةً في الوقت نفسه بمقولة إن سعر العقارات لا ينخفض بل يرتفع باستمرار.
في الواقع ها هي أسعار الشقق تنهار والانخفاض بات يلامس حالياً 45%، ومن المرجّح لهذا الواقع أن يتفاقم. فأصبحت الشقق التي اشتروها تبلغ نصف قيمتها تقريباً في حين أن الدفعة الشهرية المستحقّة ارتفعت.
علم تقييم الأصول يحتّم حسم الإيرادات المستقبلية على عامل الفائدة، وبالتالي كلما ارتفعت الفائدة انخفضت أسعار الأصول بما فيها العقارات. والارتفاع الجنوني بنسب الفوائد، الذي ناهز 20%، يؤدّي إلى انخفاض إضافي بأسعار الشقق والعقارات.
ففي غياب إمكانية زيادة أسعار العقارات، التي هي أصلاً في منحى انحداري جرّاء تخمة المعروض وغياب الطلب، فإنّ حالة التوازن الاقتصادي تحتّم أن يكون العائد على الإيجار يوازي نسبة الفائدة. لكنّنا في الوقت الراهن، بعيدين كل البعد عن هذا التوازن، فالعائد على الإيجار يبلغ 3%، أمّا الفوائد فهي أضعاف هذا الرقم وتتراوح بين 12% و20%، وبالتالي ينبغي أن تنخفض أسعار الشقق كثيراً كي يصبح عائد الإيجار قريباً من نسبة الفوائد.
الفوائد المرتفعة (12% إلى 20%) تشجّع المواطنين على إيداع أموالهم في البنوك ودفع 3% فقط كلفة الإيجار، فيحصلون بالتالي على عائد 12% ناقص 3% أي ما يعادل 9%، أو 20% ناقص 3% أي ما يوازي 17%.
فمن يمتلك شقّة قيمتها 200 ألف دولار وقام ببيعها وإيداع المبلغ في المصرف، يحصل أقلّه على 12%، أي 24 ألف دولار سنوياً، يدفع منها بدل إيجار لمنزل مشابه للذي كان يمتلكه 3%، أي ما يعادل 6 آلاف دولار سنوياً (200.000*3%)، فتكون المحصلة أنه ربح 18 ألف دولار (24 ألفاً ناقص 6 آلاف).
بعيداً عمّا حصل وعن أهمّية التوقيت من أجل الشروع بأيّ عملية استثمارية، كشراء الشقق أو غيرها، هل العقار هو أفضل استثمار كما يُشاع ويُروّج؟
فلنستعرض 4 خيارات استثمارية وهي: العقارات، سندات الخزينة المقوّمة بالليرة اللبنانية، مؤشّر الأسهم الأميركية S&P 500، والذهب في السنوات الـ15 الأخيرة، أي منذ عام 2003 وحتّى اليوم.
– الذهب سجّل 5 أضعاف ما كان عليه.
– سندات الخزينة اللبنانية ما يقارب 4.5 ضعف القيمة.
– مؤشّر الأسهم الأميركية S&P 500 مع الأرباح الموزّعة سجّل أيضاً 4.5 ضعف القيمة تقريباً.
وبالتالي يتوجّب على سوق العقارات لتصنّف أفضل استثمار أن تكون أسعارها اليوم، أقلّه 5 أضعاف ما كانت عليه عام 2003، وهذا الأمر مستبعد بعد الانخفاض الذي شهدناه، أضف إلى ذلك أن العقارات تندرج ضمن الأموال غير المنقولة وليس لديها السيولة التي تتمتع بها السندات والأسهم كما الذهب، وبالتالي في حال أردنا بيعها بشكل فوري تفقد الكثير من قيمتها.
* أستاذ استراتيجيات الاستثمار في الأسواق العقارية في الجامعة اللبنانية الأميركية