مع أنّ الأرقام الصادرة صباح اليوم عن وزارة الطاقة اللبنانية تُظهر استقراراً في أسعار المحروقات مقارنة مع الأسبوع الفائت، إلا أنّ هذا الأمر لن يدفع اللبنانيين بالضرورة إلى تنفس الصعداء. الأسعار ما زالت مرتفعة، وأحدٌ لا يعرف ما إذا كانت ستواصل “تقدمها” في الأسابيع القادمة.
الأكيد أن سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان بلغ اليوم 28700 ليرة لبنانية، والبنزين 98 أوكتان: 29300 ليرة لبنانية، فيما بلغ سعر الديزل 20300 ليرة لبنانية والمازوت 20200 ليرة لبنانية!
تلجأ إحدى الزميلات إلى “فيسبوك” للتعبير عن سخطها، بسخرية واضحة وحسرة، فتكتب: “سيارتي، اللي كنت فوّلا ب 37000 ل.ل.، مبارح فوّلتا ب 84000 ل.ل. شكراً دولتي”!
قبلها، عمد مستخدمون كثر إلى التحذير والتذكير وتسليط الضوء وشتم الواقع المرّ. حتى أنّ “عديلة”، الشخصية الافتراضية الساخرة على “السوشيل ميديا”، توّجهت إلى الشعب اللبناني قبل أيام من الاستحقاق الانتخابي تنبههم:” تذكير للبنانيين انه بينما انتو مشغولين بالانتخابات فجأة صارت تنكة البنزين ب27500 ل.ل.وكرمالها عم بتزيد. من هون لازم تفكروا بمسؤولية تصويتكم وتبعاته. وشكراً.”!
لكن وبخلاف الشعب الأردني، لا يجد اللبنانيون إلا مواقع التواصل الاجتماعي ساحاً للثورة. ثمة دعوات متداولة منذ بضعة أسابيع تحت عنوان “الحملة الوطنية لمقاطعة المحروقات في لبنان”، تحضّ المواطنين على وقف استخدام سياراتهم في “الويك أند” من أجل الضغط على المعنيين والمسؤولين عن ارتفاع أسعار المحروقات. لكنّ أحداً لم يلتزم أو يلبي النداء. النتيجة؟! لا شيء. لا شيء قد تغيّر في واقع الذلّ والشقاء.
لا ينكر الإستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية جهاد الحكيّم في حديث لـ “لبنان24” أنّ “ارتفاع سعر النفط عالمياً هو أحد أسباب ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان راهناً، كون لبنان دولة استهلاكية وبحاجة إلى استيراد النفط من الخارج”.
ويشرح أنّ سعر البنزين في لبنان يتكوّن من عدّة أجزاء: حوالى 67% له علاقة بالأسعار العالمية، حوالى 9% تكلفة توزيع ونقل، وحوالى 25% منه كناية عن ضرائب ورسوم تفرضها الدولة اللبنانية (5000 رسم ثابت و11% TVA).
لكنه في المقابل يلحظ عشوائية في تحديد الأسعار محلياً. علامات استفهام كثيرة تدور، ليس الآن فقط بل منذ سنوات وسنوات، حول هذا الموضوع، إذ لا تعكس أسعار النفط العالمية دائماً السعر المحليّ!
يقدّم الحكيم مثالاً: “في العام 2009 بلغ سعر النفط عالمياً 147 دولاراً للبرميل، فسجّل متوسط سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان في لبنان حينها 34 ألف ليرة. في العام 2011، تراجع سعر برميل النفط عالمياً ليبلغ نحو 94 دولاراً، لكنّ سعر صفيحة البنزين لم يتراجع في لبنان بل استمر في الإرتفاع وصولاً إلى 36 ألف ليرة للصفيحة 98 أوكتان!”
فهل من يُفسّر او يوضح أو يبرر…أم أننا بحاجة إلى اللجوء لـ “حاجات منتال” علّنا نفهم، وقد لا نفعل؟!
ومن المعروف أن أسعار المحروقات في لبنان يحددها تجمع الشركات المستوردة للنفط، فيما يكتفي وزير الطاقة بالتوقيع على الجداول الأسبوعية التي تبيّنها.
ويصار في العادة إلى احتساب سعر البنزين محلياً عبر احتساب سعر إغلاق برميل النفط يوم الجمعة زائد آخر 4 أسابيع (أي مجموع 5 أسابيع) ومن ثم قسمته على 5. يحدث هذا، برأي الحكيّم، منعاً لحدوث تقلبات كبيرة في الأسعار من أسبوع إلى آخر ما قد يُلحق خسائر بأصحاب المحطات في حال انخفض السعر العالمي.
يبدو جليّاً إذاً أن لبنان يفتقد إلى سياسة واضحة لقطاع المحروقات. بل لسياسة اقتصادية ومعيشية عامة متكاملة. برأي الحكيّم، الحل الأنسب لهذه المشكلة القائمة طالما أن لبنان دولة مستهلكة لا مصدرّة للنفط، هو في تخفيف الضرائب والرسوم المفروضة على سعر المحروقات، سيّما وأنها تُصّنف كضرائب غير مباشرة تصيب أصحاب ذوي الدخل المحدود كما الأغنياء.
صحيحٌ أن الدولة تلجأ إلى فرض الضرائب لسدّ عجز الخزينة لكن قد يبدو من السذاجة التذكير بالطرق البديلة الأخرى ومنها على سبيل المثال وقف الهدر والفساد ووضع سياسة ضريبية عادلة ومدروسة.
الأهمّ، برأي الحكيّم، تحسين البنى التحتية وبناء شبكة مواصلات وفق أفضل المعايير والشروط ما يمكّن المستهلك اللبناني من الإفادة منها كبديل، مذكرا في هذا السياق بأن المرونة على سعر البنزين محدودة جدا في لبنان أي أنه عندما يرتفع سعره فإن الطلب عليه لا ينخفض، وذلك بسبب غياب البديل!
وطبعاً يساهم وجود النقل العام المشترك وشبكة المواصلات الحديثة في الحدّ من أزمة السير الكارثية والتي تزيد بدورها من استهلاك المحروقات…ودائماً الفقير هو من يدفع الثمن!
ومن المعروف أن ارتفاع أسعار المحروقات يؤثر حكماً على أسعار أخرى كثيرة بل على مجمل الدورة الاقتصادية من الصناعة إلى الزراعة إلى مختلف أنواع الخدمات، فنلحظ على سبيل المثال لا الحصر ارتفاعاً في أسعار الخضار بسبب تكلفة النقل وزيادة في رسوم نقل الطلاب وليرات إضافية يطالب فيها سائقو سيارات الأجرة…
فهل سنشهد في “العهد الجديد” الذي تباهى برفع يافطات تبشر اللبنانيين بأن “بلدنا صار بلد نفطي” على وضع حدّ للفلتان أم ستكون حساباتنا أيضاً مخيّبة للآمال؟!