د. بيار الخوري – باحث وكاتب
من ذلك الخبير الذي ضجت به السوق العقارية في لبنان منذ العام 2016؟
ما ذلك المقال المقتضب الذي نشرته صحيفة البلد البيروتية وحاز عدد قراءات ومشاركات غير مسبوق في الصحافة الإلكترونية اللبنانية؟
ما ذلك العنوان الصادم الذي قال: “انهيار مرتقب قي أسعار الشقق”، ولماذا استدعى كل هذا الاهتمام وهذا الجدل وتلك الردود والمقابلات التلفزيونية والدراسات الصحافية التي استنفرت لتقول إن ما قاله المقال غير صحيح وإن السوق العقارية بألف خير؟
ولماذا عادت تلك الردود لتقول إن هناك تصحيحاً بسيطاً في السوق لن يلبث ان يتعافى منه القطاع، مرة مع رفع حظر السفر ومرة أخرى مع عودة فصل الصيف ومرة ثالثة مع تشكيل الحكومة وما الى ذلك من مواعيد لم يصدق أي منها على أي حال.
وحده جهاد الحكيّم يجيبك عن هذه الأسئلة وهو يعتمر بسمة ثغره المعهودة التي لا تفارقه لحظة. يجلس بين أوراقه وهي عبارة عن دراسات إحصائية مالية كان قد عمل عليها منذ العام 2013 وقبل كتابة مقاله، والتي تؤكد وجود رابط إحصائي قوي بين أسعار النفط وأسعار العقارات في لبنان، والتي بينت ان القطاع العقاري اللبناني يتأثر بانخفاض أسعار النفط بفارق عشرين شهراً. بمعنى أن انهيار أسعار النفط سوف يتبعه انهيار السوق العقاري اللبناني بفارق الأشهر العشرين.
وبمتابعة حثيثة للوضع المالي اللبناني، وبما يشبه الرؤيا كتب الحكيّم قبل نحو السنتين، أن مصرف لبنان لن يستطيع ان يحافظ على تمويل القطاع العقاري والدفاع عن سعر صرف الليرة في الوقت عينه. لذلك سيختار المصرف حكماً الدفاع عن سعر صرف الليرة. ومن تابع تطورات أزمة الإسكان يعرف لماذا يرقى هذا التوقع الى مستوى الرؤيا.
سبح الحكيّم عكس التيار وعكس الثقافة السائدة التي كانت تعتبر ان العقار في لبنان لا ينخفض بل يرتفع على الدوام، مجاهراً منذ العام 2013 ان السوق العقاري، شأنه شأن سائر القطاعات الإقتصادية وأسواق الأصول والسلع يرتفع وينخفض تبعاً لعوامل العرض والطلب.
كما أنه حذّر في العام نفسه من مغبة إعطاء قروض مدعومة لغير المستحقين،وصلت قيمتها إلى 800 مليون ليرة للشقة الواحدة، لأنه لن يبقى أيّة أموال للشباب الذين هم بحاجة بالفعل، وها نحن في خضم أزمة قروض الإسكان التي تتهدد مستقبل الشباب وتنذر بأزمة اجتماعية.
تحاول أن تستفزه فتسأله، هل تتحمل أنت جزء من المسؤولية عما حصل؟ يجيب متهكماً أنه من المستحيل ان يقوم شخص ما، مهما كبر حجمه أو صغر، بتحديد اتجاه سوق بهذا الحجم وإن ما كتبه على مدى السنوات الماضية قد ساهم حصراً في إعطاء الشفافية اللازمة وإظهار واقع السوق وبهدف توعية الشباب على عدم التسرع في الشراء في ظل الاتجاه الإنحداري للسوق العقاري.
كيف ذلك؟
أولا: إن تأجيل الشراء قد أتاح للشباب اللبناني إمكانية الشراء لاحقاً بأسعار تلامس 50% من مستوى الأسعار الذي سجل عام 2011.
ثانيا: وبناء عليه تخفيض القسط الشهري لقرض السكن
تالثا: توفير جزء كبير من المبلغ المرصود أساساً لشراء شقة، بما يتيح لهم الإنفاق على شؤون حياتهم المتنوعة وتوسيع الحركة الإقتصادية.
رابعا: تخفيض كلفة الإيجار للمحال والمؤسسات التجارية الذي كان يزيد أكلاف التشغيل ويحد من إمكانية الربح وبخاصة للشباب أصحاب المشاريع الريادية.
خامسا: تخفيض معدل التضخم الذي كان جنون الأسعار العقارية يضغطه دائما الى الارتفاع.
سادسا: فتح المجال أمام الشباب لاستئجار المساكن بأسعار متدنية، والخروج على الثقافة السائدة التي تمجد التملك وتصور الشباب أنهم غير أهل للزواج ما لم يمتلكوا شقة.
إشارة الى أن تراجع القطاع العقاري قد وفر على الشباب اللبناني مبالغ تحسب بمليارات الدولارات في السنوات القليلة الماضية، وهذا المبلغ مرشح للارتفاع عام بعد عام. فعلى سبيل المثال أصبحت الشقة التي كان المطورون يسعرونها بمئتي وخمسين ألف دولار أميركي، وبعد انخفاض 30% فقط في الأسعار، يبلغ التوفير عن كل وحدة سكنية معروضة للبيع 75 ألف دولار أميركي. وإذا كان معدل عدد الشقق المبيعة سنوياً في حدود خمسة وخمسين ألف شقة، كما كان سابقا، فإن حجم الوفر الافتراضي يتجاوز أربعة مليارات دولار أميركي في سنة واحدة.
تسأل مجموعة من الطلاب وحديثي التخرج هل يعرفون جهاد الحكيّم؟ فيجمعون قائلين: “نعم إنه الرجل الذي توقع منذ مدة غير قصيرة ما وصلنا إليه اليوم”!