عزة الحاج حسن
الأحد 2019/11/17 تتلاحق التقارير والتصنيفات السوداوية للدولة اللبنانية وكبرى المصارف اللبنانية، التي يتلازم تدهور تصنيفها مع ضعف الجدارة الائتمانية للدولة، نظراً لانكشاف بعض المصارف على الدين السيادي. وهو ما يُعد مصدراً رئيسياً للمخاطر التي تتهددها.
وقد بدا المشهد مؤخراً عقب تقارير فيتش وموديز وستاندرد أند بورز يوحي بسير الدولة بسرعة فائقة باتجاه الهاوية، ساحبة معها المصارف وكل ما يرتبط بها من قطاعات اقتصادية وإنتاجية.. وما زاد الأمر سوءاً سوى تشنّج العلاقة مؤخراً بين مصرف لبنان والقطاع المصرفي من جهة، وضبابية وضع المصارف واعتمادها لضوابط وقيود على حركة رؤوس الأموال باستنسابية من جهة أخرى.
تخفيضات متتالية
لم يكن خفض وكالة ستاندرد آند بورز S&P تصنيف ثلاثة مصارف (بنك عوده وبلوم بنك وبنك ميد) من درجة B- إلى CCC الأول من نوعه. فقد سبقه منذ قرابة الأسبوع خفض من وكالة موديز لتصنيف الودائع لدى ثلاثة مصارف (بنك عوده وبلوم بنك وبنك بيبلوس) إلى Caa2 وقبلها خفضت وكالة فيتش تصنيف مصرفين (بنك عوده وبنك بيبلوس) إلى CCC، وهو رابع أدنى تصنيف للوكالة. التصنيفات الجديدة شبه متوازية من حيث المعايير ما يعني أن الوكالات اجتمعت على أن كبرى المصارف اللبنانية تواجه مخاطر ائتمان عالية جداً، وباتت- كما الدولة اللبنانية – على بُعد درجة واحد من تصنيف “العرضة للتعثّر”.
وفيما شدّدت وكالة ستاندرد أند بورز على أن المصارف اللبنانية تعاني من ضغوط متزايدة على السيولة، لاسيما بعد اغلاقها لفترات طويلة، رأى الخبير الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية جهاد الحكيّم، في حديث إلى “المدن”، أن الضبابية التي تحيط بوضع المصارف عزّزت تراجع الثقة، ورفعت مستوى الهلع بين المودعين، لافتاً إلى أننا نشهد اليوم بيئة ماكرو اقتصادية معادية للمصارف، إن لجهة الورقة الاقتصادية التي طرحتها الحكومة المستقيلة، أو لجهة طلب حاكم مصرف لبنان من المصارف زيادة رسملتها بنسبة 20 في المئة، أي ما يوازي نحو 3.7 مليار دولار، أو لجهة فتح مصرف لبنان المجال أمام المصارف للإستدانة، لكن بفائدة 20 في المئة، وكل ما يترافق مع هذه الأجواء من دعوات إلى استعادة أموال الهندسات المالية. كل ذلك، حسب الحكيّم، يقابله إقفال تام للمصارف. وهو ما يشكل سبباً رئيسياً لزيادة حالة الهلع بين المواطنين، لاسيما لجهة الضبايية التي تحيط بالوضع المالي وتقاذف المسؤوليات الذي شهدناه مؤخراً بين مصرف لبنان والمصارف.
كما أن وقف المصارف لكافة التسهيلات المصرفية للشركات والأفراد، بما فيها التحويلات، يطرح علامات استفهام حول استمرار تحويل أموال المغتربين وغير المقيمين إلى لبنان، لاسيما أن المغتربين وغير المقيمين بدأوا يعيدون النظر بتحويل الودائع إلى لبنان في ظل الكابيتال كونترول capital control (ضوابط وقيود على رأس المال) الذي تمارسه المصارف مؤخراً، وإن بصورة غير رسمية. من هنا لا بد من إجراء مقاربة بين ما يمكن أن يوفّره مصرف لبنان من دولارات، جراء ضبط عمليات الاستيراد من جهة، وبين ما سيخسره من دولارات جراء تراجع تحويلات المغتربين وودائع غير المقيمين الى لبنان.
الشفافية لا الضبابية
إجراءات المصارف القاسية المرتبطة بحركة الأموال، رفعت منسوب القلق بين المودعين. وأتت عملية الإقفال لتخلق حال من الهلع، وهو ما دفع الحكيّم إلى الدعوة لاتخاذ بعض الإجراءات العاجلة، لاستعادة الثقة وتجنيب المصارف مزيداً من المخاطر. كما شدّد على ضرورة زيادة قيمة الضمانات على الودائع، والتعامل مع المودعين بشفافية، بمعنى تحديد واعتماد ضوابط وقيود على رأس المال “ظرفياً” وبطريقة شفافة، وليس بطريقة استنسابية. كما يجب قوننتها عبر مجلس النواب، وتحديد مدتها الزمنية وتعليل أسبابها ومصارحة الجمهور بتفاصيلها، على أن يترافق ذلك مع تسهيلات مدروسة للمؤسسات والشركات، تحد من أزمة سيولتها، وغير ذلك من الإجراءات الضامنة لودائع الجمهور. ولا ننسى ضرورة الشروع بالإصلاحات التي من شأنها تحفيز الاقتصاد. إذ من المرجّح أن يُعيد كل ذلك إرساء الثقة المتزعزعة حالياً بالمصارف، في ظل المخاوف من تمرير وتسهيل حركة بعض رؤوس الاموال، وممارسة الكابيتال كونترول بشكل استنسابي.
لا إقراض
وحول أثر خفض التصنيف على الودائع أوضح أحد المصرفيين في حديث إلى “المدن”، أن على الدولة الأخذ بالتصنيفات الأخيرة للمصارف على محمل الجد. إذ أن المتضرر الأكبر منها هي الدولة وليس المودعين في المصارف: “فهذه التصنيفات المتدنية قضت على أي أمل بقدرة الدولة على الاستدانة من الخارج. فمعدل الثقة بات متدنياً جداً حسب التصنيفات الائتمانية الجديدة، حتى تصنيفات كبرى المصارف باتت أدنى من معدل التصنيف الاستثماري”.