في العام 2013، بدأ جهاد الحكيّم، الإستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية، يتحسس تغيّراً سيطرأ على قطاع العقارات في لبنان. سرعان ما بدأ “يتوقع” انهيار الأسعار، فدعا الشباب اللبناني إلى التريّث قبل الإقدام على شراء شقة، الأمر الذي أزعج جهات كثيرة بطبيعة الحال!
لم يسقط “إلهام” أو “وحي” على الشاب الذي كرر متوقعاً أكثر من مرّة بأن أسعار العقارات في السنوات المقبلة لن تبقى على ما هي عليه، بل استنتج ذلك من عدّة عوامل ووقائع وتطوّرات طرأت في الداخل والخارج على حدّ سواء.
يلفت في حديث لـ”لبنان24″ إلى أنّ “توقعاته” صحّت، “فشباب لبنان وفّر في الأعوام الماضية أقلّه 3 مليارات دولارات كانت ستذهب من دون وجه حق إلى أصحاب العقارات”.
بحسب الحكيّم، “الانهيار تمّ وحصل”. أسعار الشقق انخفضت في الأعوام الماضية بنسبة تتراوح بين 35 و45%، ومردّ ذلك إلى أسباب عديدة وعلى رأسها غياب الطلب الخليجي بفعل انخفاض أسعار النفط، إضافة إلى غياب طلب المغتربين اللبنانيين من جهة أخرى.
من اللافت اختيار الحكيّم لمصطلح “انهيار” عوض “انخفاض”! بثقة يؤكد أن “هذا المسار الانحداري في الأسعار مستمرّ في المستقبل القريب”. يردف:” بالنسبة إليّ، الحبل على الجرار وصولاً إلى تدهور الأسعار بنسبة تتخطى الـ 55% في العام 2019″!
يشرح:”في العام 2016 سجّل سعر النفط أدنى معدلاته السنوية (بلغ معدل سعر برميل النفط 46 دولاراً) ، وهذا ما يتمظهر في لبنان وينعكس عليه بعد 20 شهراً. من هنا أقول إن المواطن اللبناني سيشهد تسارعاً في وتيرة الانخفاض بدءاً من تشرين الأول 2018 وصولاً إلى انخفاض بنسبة تفوق الـ 55% في العام 2019″.
ويؤكد الحكيّم أن الانهيار سيستمر أقله حتى العام 2021، وسوف يطال المناطق خارج بيروت أيضاً، وكل الشقق على مختلف أحجامها (وإن بنسب متفاوتة)، وكذلك سيطال أسعار العقارات والإيجارات!
وإضافة إلى عامل غياب الطلب الخليجي والاغترابي، يشير حكيّم إلى أن الطلب الداخلي كان ولا يزال أيضاً ضعيفاً بسبب البطالة والرواتب المنخفضة وفرض الضرائب في أوقات غير مناسبة وأزمة قروض الإسكان.
لكن ماذا يعني هذا “الانهيار”؟ وما هي انعكاساته على المواطنين وعلى الاقتصاد اللبناني؟
يسارع الحكيّم إلى التأكيد بأن انخفاض أسعار العقارات والشقق إيجابي على الشباب اللبناني إذ سيتمكن الراغبون بشراء شقة من ادخار أموالهم ومن ثم إنفاقها على أمور أخرى تحرّك العجلة الاقتصادية، كما أن تدني الإيجارات، وتحديداً إيجارات الشركات والمؤسسات، سيمكن أصحابها من التخلص من عبء ثقيل كان يقلص من ربحيتهم حتى الأمس القريب، وبالتالي سيلجأون إلى توظيف عمّال جدد وإلى الاستمرار في أعمالهم في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الراهنة. كلّ هذا يقود بطبيعة الحال إلى التأكيد بأن “الانهيار” سيساعد الاقتصاد اللبناني على النهوض، بحسب الحكيّم!
وعن قضية قروض الإسكان ودورها المحتمل في أسعار العقارات، يقول الحكيّم إنّ مصرف لبنان وجد نفسه في نهاية المطاف مضطراً إلى الاختيار بين دعم الليرة أو دعم العقارات، ففضل دعم الليرة طبعاً، ومن هنا كان وقف القروض المدعومة سيّما وأن سياسة خاطئة اتبعت في العام 2013 أدّت إلى ما وصلنا إليه من إنفاق للثروة في غير مكانها المناسب (يقصد الحكيّم بهذه السياسة القروض المدعومة التي أعطيت آنذاك مع سقف وصل إلى 800 مليون ليرة فكانت بالنتيجة داعمة للأغنياء لا للفقراء).
ويضيف:”القروض المدعومة الجديدة أتت بشروط مختلفة، بما فيها تخفيض عدد سنوات الدفع ورفع الفائدة”، مؤكداً أنه كان يفضل عدم دعم قطاع العقارات بهذه القروض مجدداً بغية أن تستمر الأسعار في الانهيار بشكل سريع.
ومع هذا، فإن الحكيّم يعتبر أن حتى القروض المدعومة الجديدة سوف تكون عامل ضغط إضافياً لخفض أسعار العقارات. كيف؟ لأنه في ظلّ الشروط الجديدة، ستكون كلفة السند الشهري مرتفعة على المواطن ما سوف يُضطره إلى تأجيل شراء شقة سنة إضافية! وعندما نصل إلى العام المقبل سوف يكون الطلب خفيفاً وبالتالي ستنخفض الأسعار أكثر!
ورداً على سؤال عن احتمال أن يطرأ أي جديد من شأنه دعم قطاع العقارات منعاً للمسار الانحداري، يؤكد الحكيّم مجدداً أن كل المعطيات والمؤشرات تجعلنا نقول بأن الأسعار نحو الانخفاض”.
ويسأل: “هل نحن فعلاً في اقتصاد حرّ”؟!
سؤالٌ ينبع من واقع مرير سائد في لبنان وهو أنه عندما ترتفع الأسعار، احدٌ لا يفعل شيئاً! لكن عندما تنخفض، الجميع يتدخل ويفعل المستحيل لوقف التدهور!
يعقب الحكيّم:” لماذا عندما يربحون يأخذون الأرباح لهم فقط ولكن عندما يخسرون يريدون أن يخسر الجميع معهم؟ هل هم رأسماليون فقط في الربح وشيوعيون في الخسارة”؟!