إدارة الأزمة المالية والنقدية في لبنان اتخذت لنفسها هدفاً وعنواناً، تصبو جاهدة للوصول إليه يوماً بعد يوم، ألا وهو الفشل، ثم الفشل وبعده الفشل.
لأن النجاح هو ثمار المشاركة، أبت الطبقة السياسية والقيمون على الشؤون الاقتصادية، إلا وأن يكونوا شركاء بالفشل بالتكافل والتضامن.
على الرغم من المناشدة بإلحاح منذ تموز 2019 بتطبيق القيود على رؤوس الأموال بشكل رسمي، أحداً لم يسمع، فضيّعوا الوقت ليحوّلوا أموال النافذين إلى الخارج.
وعلى وقع التحذيرات في تشرين من ضرورة عدم وضع قيود استنسابية على الدولار، في حين أن حريّة التصرف بالودائع بالليرة كانت موجودة بشكل شبه كامل، لأن ذلك من شأنه أن يدفع المودعين إلى سحب مئات الملايين بالليرة لشراء الدولار في السوق الموازية، بدأت الليرة بفقدان قيمتها.
وعلى الرغم من كل العشوائية اختتمت اللّيرة عام 2019 عند مستوى الـ 2000 لكل دولار بالسوق الموازية. كما تجدر الإشارة إلى أنّه في بداية سنة 2020 وحتى شهر شباط، كان ما زال بإمكان اللبنانيين استعمال بطاقات الائتمان، يصرفون من خلالها الدولارات في لبنان كما الخارج، ليسددوا بعدها هذه المستحقات بالليرة على سعر صرف 1515.
التصريحات السابقة للحاكم بأنه لا يعرف إلى أي مدى سيصل سعر صرف الليرة، وللوزير وزني بأنه من المستحيل أن ترجع الليرة لمستوى 1515 عندما كانت الليرة مستقرة بالسوق الموازية على الـ 2000 ل.ل لكل دولار، ليست السبب وراء تدهورها، لكن ساهمت بوضع ضغوط على سعر الصرف.
الأمور الاقتصادية والنقدية يجب أن تعالج بالهدوء والرويّة وليس بالمهاترات الشعبوية، من ضرورة دفع مستحقات الأوروبوندز أو التخلف عن الدفع الذي سرّع في تدهور سعر صرف الليرة، مروراً بالخلاف بين الحاكم ورئيس الحكومة علناً.
كما أن تصرفات المصارف لم تكن مسؤولة، من إقفال غير مبرر في تشرين، واستنسابية بالسحوبات، والإصرار على استيفاء القروض بالدولار حتى ولو كان الدولار محلياً، على الرغم من أن القانون يجيز تسديدها بالليرة على السعر الرسمي أي 1515 وصولاً إلى الألعاب الواهية لبعض المصارف لقاء الحصول على أموال نقدية بالدولار… كل هذه الأمور سرعت بتدهور سعر الصرف.
ما الهدف من وراء إصرار المصارف على استيفاء مستحقات القروض بالدولار، إذا كان أصلاً الدولار محلياً،
وأنه بشتى الأحوال يجيز القانون تسديدها بالليرة على سعر الصرف الرسمي 1515؟ هذا التصرف ساهم بشكل جنوني في تحصيل شيكات الدولار بأقل من قيمتها بكثير، وفقدان الليرة قيمتها أكثر فأكثر. عندما كانت تحجم البنوك عن إعطاء المودعين الدولار، اضطر الكثير منهم إلى أن يأخذوا شيكات لتحسم بأقل بكثير من قيمتها من أجل الاستحصال على الدولار نقداً. في حين أن المقترضين الذين كانت تصرّ عليهم البنوك تسديد مستحقاتهم بالدولار، اعتبروها فرصة لشراء هذه الشيكات بأقل من قيمتها بكثير.
نعم، الصرافون يستغلون الظروف لكنهم ليسوا السبب الرئيسي لما يحصل. عمليات التهريب، المضاربة غير الشرعية وغيرها تفاقم الأمور لكنها ليست المشكلة الأساسية، فمعالجتها وحدها هي بمثابة معالجة نتيجة الأمور وليس معالجة الأسباب. وما جدوى الدعم في ظل التهريب؟ أوقفوا الدعم كل الدعم إذا كنتم لا تريدون أن توقفوا التهريب. فمن يستفيد من دعم الكهرباء هم ميسورو الحال الذين يستهلكون أضعاف ما يستهلكه الآخرون، واستعيضوا عنه بتحسين النقل المشترك، وبدفع أموال نقدية مباشرة إلى من هم بحاجة. كما أن إعطاء اللبنانيين دولارات على الـ3000 ليرة، أو زيادة مبلغ كل رصيد بالليرة تحت مستوى الخمسة ملايين، لا يشكل أي استفادة لهم كما يروّج، فكيف هذا والدولار بـ 4200! فطبع العملة وإغراق الأسواق بالليرة بغياب النمو من شأنه أن يدهور سعر صرف الليرة أكثر، ويفقر اللبنانيين ويغيّب قدرتهم الشرائية، الغائبة أصلاً.
من الأفضل خسارة جزء من الراتب الإسمي بدلاً من خسارة المزيد من قيمته الحقيقية. فمن البديهي أنه يجب التركيز على زيادة القدرة الشرائية للرواتب، وليس زيادتها إسمياً بـ40% كما يطالب بعض السياسيين بهدف الشعبوية، فندخل في دوامة من التضخم وفقدان العملة قيمتها، فيصبح من الصعب التخلص منها.
في سنة 2017 طالبنا بالرّجوع عن الضريبة وإلاّ فمصيبة. أمّا اليوم وبعد أن حلّت علينا كلّ أنواع المصائب… نقول لهم: أوقفوا طبع العملة وإلا فالخسائر بالجملة!