سنشهد في لبنان خلال الأعوام القادمة زيادة لافتة في الطلب على الإيجار (مروان طحطح)
البيع الإيجاري، أو الإيجار المنتهي بالتمليك، ظاهرة جديدة يشهدها القطاع العقاري في لبنان، في محاولة من المطورين العقاريين لمواجهة حالة الركود الحاد المستمرة منذ سنوات، وهي تلقى رواجاً كبيراً بين الشباب الراغبين في تأمين مسكن، وخاصة أولئك الذين على مشارف الزواج.
على الرغم من أن الفكرة قد تشكل حلاً مؤقتاً إلى حين بروز أفق واضح لأزمة الإسكان، إلا أنها تبقى حلّاً تقليدياً ــــ وإن اتخذ شكلاً مغايراً ــــ يستند إلى منطق البيع والتملك، فيما يبيّن مسار الأمور بأن الخيار الأنسب في المستقبل سيكون للإيجار… ولكن من دون تملك.
يتخذ البيع الإيجاري عدة أشكال تختلف باختلاف صيغة العقد، لكنها جميعها تقوم على الأسس ذاتها، ألا وهي الإيجار الذي يفضي في نهاية المطاف وبعد مدة معيّنة وشروط محددة إلى التملك.
نماذج معتمدة
أحد الحلول المنتشرة حالياً في لبنان تقوم على توقيع اتفاقية عند كتّاب العدل بين المالك والشخص الراغب في الشراء تنص على أن يدفع الأخير مبلغاً مالياً محدداً، بمثابة دفعة أولى (الدفعة أقل من نسبة الـ 20% أو 25% من سعر الشقة التي تشترط المصارف أن تكون مسددة لمنح القرض)، يليها تسديد دفعات شهرية لفترة زمنية معيّنة ( تنتهي في الإجمال عند فتح باب الإسكان مجدداً)، وبالتالي تسمح للمستأجر المؤقت في هذه الحالة بالانتقال فوراً إلى الشقة والسكن فيها. وحين تعود قروض الإسكان المدعومة يقوم المالك بتقديم الملف لدى المؤسسة العامة للإسكان ويخصم كامل المبلغ الذي يكون قد دفعه المستأجر في حال الموافقة على القرض. أما إذا رفض الطلب، يُمنح المستأجر مهلة عدة أشهر لإخلاء المسكن مع تعهد المالك بإعادة كامل المبلغ الذي قبضه للمستأجر. (في بعض الحالات، يعاد فقط ثمن الدفعة الأولى من دون الدفعات الشهرية على اعتبار أن الشخص سكن في الشقة طوال هذه المدة بصفته مستأجرا).
طريقة أخرى متبعة هي تلك التي اعتمدتها شركة Ray White العقارية والتي باشرت العمل بها منذ أيام وتعتمد على “منح الزبون القدرة على تسديد نسبة 25 إلى 30% من سعر الشقة خلال مدة 3 سنوات كحد أقصى. وحين يفتح الإسكان أو أي قرض مدعوم يعطى الزبون مهلة 4 أشهر للتقدم بطلب والحصول على القرض وتسديد ثمن الشقة”، على ما يقول الشريك في الشركة روي نصّار. ويوضح أن “العقد الموقع بين الطرفين هو عقد بيع. لكن في حال رفض الطلب المقدم للإسكان، فإن الشركة لا تعوّض على المستأجر بحكم أنه يكون قد استخدم الشقة طوال المدة، إضافة إلى أن المطور يتحمل مخاطر كبيرة تصل إلى فقدان الشقة حوالى 25% من قيمتها لكونها قد استخدمت”. وعن مدى جاذبية هذه الفكرة، يكشف نصّار أن “نصف الزبائن الراغبين في الشراء حالياً يسألون عن خدمة البيع الإيجاري”.
محاذير ومخاطر
يرى الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم أن البيع الإيجاري “فكرة جيدة في حال كانت الأسعار ستشهد ارتفاعاً، بما يخدم الشاري الذي يكون قد اشترى مقابل سعر أدنى من السعر المتوقع في المستقبل. أما في حال كانت الأسعار تتجه نحو الانخفاض أكثر وأكثر كما في لبنان، فإن خاصية الإيجار للبيع غير جيدة كونها تخدم المطور أو المالك الذي يبيع بسعر مرتفع حالياً وقبل أن تهبط الأسعار”. ويشدد الحكيّم على أن “البيع الإيجاري كان ليكون جذاباً لو طبق أعوام 2008 و2009 و2010 في عز الطفرة العقارية والارتفاع الجنوني للأسعار وليس في الوقت الراهن، في ظل غياب الطلب الخليجي والاغترابي والذين أضيف إليهما غياب الطلب الداخلي”.
في حال استمرار تراجع الأسعار، فإن البيع الإيجاري يخدم المطور أكثر من الشاري
من جهته، يعتبر وسام مبارك، المدير العام لشركة Propertyfinder- لبنان المتخصصة في مجال التسويق العقاري أن “طبيعة العقد بين الطرفين مهمة جداً في ما خص البيع الإيجاري. فعلى سبيل المثال، من المهم جداً أن يذكر العقد سعر الشقة، وهل السعر ثابت بغض النظر عن تقلبات الأسعار أو هل يخضع لسعر السوق، وبالتالي للتخمين القانوني؟ كذلك يفترض الانتباه إلى أن يذكر العقد طبيعة القرض الذي سيتم التقدم عليه وفائدته مثلاً، فمن يضمن ألا تتبدل الفائدة بعد فترة وتتغير الشروط؟ فإذا ذكر في العقد أن الطلب سيقدم على الإسكان، وفي الوقت عينه لم يحل ملف الإسكان إلا بعد 3 إلى 4 سنوات ولم يذكر أي مصدر آخر للاقتراض ، يمكن للمستأجر مثلاً أن يقول إن العقد يشترط تقديم الطلب على الإسكان، وبالتالي يصر على أن يبقى في الشقة لحين فتح الإسكان”.
بدورها، تصر منى فواز، مديرة برنامج العدالة الاجتماعية والمدينة في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت على أن “ملف السكن لا يعالج بطريقة واحدة ألا وهي البيع والتملك. ونقدي لهذه الخطوة هو في أنها تخدم المطورين العقاريين ومصلحتهم كونها طريقة أخرى لبيع الشقق من دون أي تخفيض في الأسعار”.
الإيجار هو الحل؟
وفقاً لفواز، فإنه “يجب إيقاف سياسات الدعم والكف عن اختراع طرق لدفع الناس لشراء شقق بسعر أغلى من سعرها بشكل كبير جداً. فالمشكلة الفعلية تكمن في مفهوم الشراء من الأساس وغياب القيمة الاجتماعية للأرض، لذلك فالحل الأنسب في الوقت الراهن هو في الإيجار”. وفي هذا السياق، يكشف المدير العام لشركة Propertyfinder-لبنان أن “طلبات الإيجار زادت في لبنان، وتحديداً في بيروت. وأنا أرى أننا سنشهد في لبنان خلال الأعوام القادمة زيادة لافتة في الطلب على الإيجار وتوجه المطورين العقاريين نحو بناء شقق مخصصة للإيجار”.
وفيما ينتقد الحكيّم “العقلية اللبنانية التي تمجد التملك والتي تصور الشاب أنه غير أهل للزواج إذا لم يكن يملك شقة”، فإنه يتوقع “أن تشهد أسعار الإيجارات انخفاضاً ملحوظاً في المستقبل، وبأن ما نشهده ليس إلا البداية، وعاما 2019 و2020 سيكونان شديدي القسوة على السوق العقاري في لبنان. وباعتقادي، فإن انهيار السوق العقاري سيكون له نتائج إيجابية كبيرة على الشباب لكون الشقة التي كان سعرها 200 ألف دولار عام 2011 سيصل سعرها إلى 90 ألف دولار أو 100 ألف دولار”.
لكن أحد الأسباب الجوهرية التي لا تزال تحدّ من جاذبية الإيجار عند اللبناني “تتمثل في غياب الدولة” بحسب مديرة برنامج العدالة الاجتماعية والمدينة في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت. فوفقاً لفواز، فإن “عدم توافر المساكن لذوي الدخل المحدود يشجع على التملك، نظراً إلى أن الشخص الذي يصل إلى عمر 64 ويكون راتبه محدوداً يخاف في حال عدم امتلاكه شقة أن يجد نفسه في الشارع أو أن يصبح عبئاً على أولاده”.