شكّلت الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2008 نقطة تحوّل كبيرة للقطاع العقاري اللبناني على مختلف المستويات، وبينما أفل نجم الكثير من الدول العالمية إقتصادياً بسبب الأزمة المالية التي ألقت بثقل تداعياتها على مختلف القطاعات، سطع نجم العقارات في لبنان مسجّلاً فورة عقارية اعتبرها البعض من المطوّرين العقاريين فورة محقّة نظراً لجمود الأسعار لسنوات طويلة سابقاً.
هي فورة عقارية ساهمت بإثراء مطوّرين عقاريين ومعنيين في القطاع العقاري بشكل مشروع مقابل إفقار عدداً كبيراً من اللبنانيين الذين استدانوا وما يزالون لتملّك شقة إن في بيروت حيث الأسعار نار أو في المناطق النائية التي اكتظّت بسبب الحاجة.
10 سنوات وأسعار العقارات تثقل كاهن المواطن اللبناني الذي رزح تحت وطأة البطالة من جهة، الرواتب المنخفضة من جهة أخرى، وسيل الضرائب التي سطّرتها الدولة في أوقات أقل ما يقال عنها أنها غير مناسبة.. اليوم وبعد أن لاحت في الأفق مشاكل ركود لدى المطوّرين العقاريين، وانخفاض الطلب على الشقق مقابل ارتفاع العرض مترافقاً مع إنخفاض في الأسعار بنسبة تخطّت الـ 30 في المائة، يتحدّث البعض عن انخفاض الأسعار إلى ما فوق الـ 55 في المائة في السنتين المقبلتين، في حين يعارض خبراء آخرون هذه النظرية!!
الحكيّم : إنهيار أسعار العقارات
عوامل عديدة ترسم مسار الأسعار ترسّخت في الفترة الأخيرة لترسو على “انهيار” تدريجي لأسعار العقارات بدأ في السنوات الماضية ويتسارع في تشرين الأول- أوكتوبر 2018 ويمتدّ إلى الشهر نفسه من العام 2021! قد تكون المعلومات حول انخفاض الأسعار انتشرت كثيراً في الفترة الأخيرة إلا أنها اليوم، وبحسب الإستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الإستثمارية جهاد الحكيّم، قد وضعت على السكة العلمية، وفي شرح مبسّط ، يؤكّد على انهيار الأسعار ويتأسّف على الذين اشتروا بالسعر العالي!
منذ عام 2013 والحكيّم يتوقّع تراجع أسعار الشقق في لبنان إلى أن بدأ يتوقّع “انهيار الأسعار” عام 2016 داعياً الشباب إلى التريّث والمطورين العقاريين لتصريف عقاراتهم واستثماراتهم.
وبينما يشير إلى انخفاض بين 50 و 55 في المائة، يتحدّث اليوم عن انهيار أكبر، فعلى ماذا يبني توقعاته؟ وهل تصدق؟
عوامل متعددة يعوّل الحكيّم عليها في تعليل توقّعاته، فيشير بداية إلى أن تقييم أي أصول تحدّده معادلة بسيطة مرتبطة بالإيرادات المستقبلية وكلفة رأس المال المرتبطة ارتباطاً مباشراً بسعر الفائدة. فيشدّد في هذا الإطار على أن رفع لبنان الفائدة بشكل جنوني انعكس انخفاضاً بأسعار كل الأصول ومنها العقارات، لأن العلاقة عكسية بين ارتفاع الفوائد وسعر الأصول. ويشير إلى أن عملية نكران الواقع من قبل بعض المطوّرين العقاريين لم تأت بفائدة على القطاع بل زادت الوضع سوءاً بسبب التشجيع المستمرّ للإستثمار في القطاع الذي يعاني أساسًا من أزمة تصريف، الأمر الذي أدى إلى زيادة العرض في ظل تخمة ملحوظة تكفي لعدة سنوات مقبلة. إضافة إلى فرض الدولة للضرائب في التوقيت الخاطىء، فضلاً عن التضارب بين السياستين النقدية والمالية،الأمر الذي انعكس سلباً على القطاع.
بين هذه المشكلة وتلك، يشير الحكيّم إلى أنه حذّر المطورين العقاريين من تلك الأزمة داعياً لتخفيض الأسعار طوعاً عام 2016 بدلاً من إضطرارهم لتخفيضها قسراً بسبب استفحال الأزمة ، ليحدّوا بذلك من خسائرهم التي ستتفاقم في حال إنتظروا أكثر. وفي معادلة رياضية صغيرة يظهر حجم الخسارة التي مني بها البعض بتمنّعهم في السنوات الماضية عن بيع شقة، على سبيل المثال، بقيمة 500 الف دولار أميركي وتصريفها عبر تخفيض السعر 30 في المائة والإستفادة من فائدة مصرفية 8 في المائة على الدولار محوّلين ربحهم إلى 650 ألف دولار بعد ثمانية سنوات، بدلاً من تجميد الشقة وعدم بيعها حتى الآن حيث ستكون الخسارة أكبر.
عطفاً على هذه المشكلات، يستند الحكيّم في عرض وجهة نظره إلى الإرتباط الوثيق بين انهيار أسعار النفط من جهة وانهيار اسعار العقارات من جهة أخرى، معلّلاً قراءته بدراسة أجراها عام 2016 تظهر تأثر السوق العقاري بأسعار النفط بعد 20 شهراً من الانخفاض الدراماتيكي لأسعار البرنت.
فأسعار النفط سجّلت في عام 2015 معدّل 54,5 دولاراً للبرميل،، انعكست على أسعار العقارات في لبنان في مطلع شهر تشرين الاول 2017 ، وبالتالي فإن سعر برميل النفط الذي سجّل أدنى معدّلاته عام 2016 ورسا على 46 دولاراً للبرميل، عامل سيؤدي إلى انخفاض أسعار العقارات بدءاً من مطلع شهر تشرين الأول 2018 ، وبما أن معدّل سعر البرميل لم يتخطّ الـ 56 دولاراً عام 2017، فإن تأثير ذلك قد يبدأ بالإنعكاس في عام 2019. ورغم أن الأسعار ارتفعت نسبياً عام 2018 إلا أنها لم تصل إلى برّ الأمان، أي فوق معدّل الـ 80 دولاراً للبرميل، فإن أسعار العقارات تستكمل المسيرة الإنخفاضية في تشرين الأول 2020. وبالتالي فإن أي ارتفاع لمعدّل سعر برميل النفط عام 2019، لا ينعكس إيجاباً على رفع أسعار العقارات إلا بعد حوالى 20 شهراً!!
في خلاصة الدراسة، أن أسعار العقارات بحسب الحكيّم هي في انخفاض مستمرّ من اليوم وإلى عام 2021 تحديداً، قد تمدّد الفترة إذا بقيت معدلات أسعار النفط أقل من 80 دولارا ً للبرميل الواحد. ويشدّد الحكيّم أنّ هناك فترة زمنيّة تستغرق بين السنة والسنة والنصف لتتأثّر المناطق خارج بيروت بنسب الإنخفاض التي تشهدها العاصمة كون أن التأثير المعاكس مع بدء فورة أسعار العقارات بدأ في بيروت وانتقل إلى المناطق الأخرى.
إستطراداً، يتحدث الحكيّم عن التخمة في المعروض اليوم مقابل غياب الطلب الذي تحكمه ثلاثة عوامل، أولها غياب الطلب الخليجي بفعل انخفاض أسعار النفط، إضافة إلى غياب طلب المغتربين اللبنانيين من جهة أخرى، وحكماً غياب الطلب الداخلي بسبب نسبة البطالة المرتفعة التي ناهزت 37 في المائة بين الشباب فضلاً عن ما سمّاها عبودية القرن الواحد والعشرين التي تجبر المواطن على العمل برواتب زهيدة. وما زاد الأمر سوءاً في انعدام الطلب الداخلي يكمن في توقّف قروض الإسكان بعد مدّ وجزر طويلين في هذا الخصوص.. والأسباب برأيه معروفة منذ زمن ولطالما حذّر من السياسة المتّبعة !
ويتابع الحكيّم بأنه في حالة التوازن الإقتصادي يَتوجّب أن يكون العائد على الفوائد والإيجار متقاربَين في أقل تقدير في ظل غياب إمكانية زيادة سعر الشقة أو العقار.. ومع رفع الفوائد المصرفية لا يمكن اليوم رفع الإيجار بسبب التخمة في المعروض، وبالتالي يبقى السبيل الوحيد لتحقيق التوازن هو انخفاض أسعار العقارات !
لطالما رفض بعض المطورين العقاريين الإعتراف بهذا الواقع، لكن الحكيّم يشير إلى ان منهم من خرج عن طور هذا الإجماع وصرّح العام الماضي بأنه يجب خفض الأسعار بنسبة 40 في المائة، وإلا فلا إمكانية للبيع، فضلاً عن أن تخمين المصارف لأسعار الشقق خفّض بالنسبة نفسها أيضاً، وبالتالي فإن سعر العقار يحدّده العرض الأدنى وليس الأعلى، وبالفعل فقد انخفضت الأسعار في بيروت بنسبة 40 في المائة كأول علامة.
يؤكد الحكيّم أن الانهيار سيستمر أقله حتى العام 2021، وسوف يطال المناطق خارج بيروت أيضاً، وكل الشقق على مختلف أحجامها، وكذلك سيطال أسعار العقارات والإيجارات وعلى المواطن أن يكون على دراية تامة بهذه التطورات والشراء في الوقت الأنسب!
آراء متضاربة
في المقابل، وبالعودة إلى مقابلة سابقة لكل من رئيس نقابة الوسطاء والإستشاريين العقاريين وليد موسى ومدير عام شركة رامكو العقارية رجا مكارم، تحدثا عن إنخفاض في الأسعار مربوط أولاً بالوضع الإقتصادي وثانياً بتأخير ولادة الحكومة وثالثاً بتوقّف مؤسسة الإسكان عن إعطاء القروض.. إلا أنهما لم يشيرا بأي شكل من الأشكال إلى “إنهيار” في الأسعار.
وإذ أشار موسى إلى أن تفاقم كل هذه الأمور، مع وضعٍ إقتصاديٍ ضعيف ، أدى إلى ركود في السوق العقاري، وتراجع الأسعار إلى حد الـ 25% تقريباُ”. قبل أن يشير إلى أنه في حال تدهور الإقتصاد نحو الأسوء فطبيعي أن يتأثر القطاع العقاري سلباً، فالأمور مترابطة ببعضها البعض، وما يمكن حدوثه في المستقبل هو رهن ما سيحدث في الإقتصاد ووضع البلد ككل”.
أما مكارم، الذي تحدث عن ركود في القطاع العقاري بدأ منذ العام 2011، كان قد أشار في حديث سابق في أيلول من العام 2017 أن “الأسعار لم تنخفض إعلامياً. بمعنى أن المطورين حين الاتصال بهم لا يزالون يعرضون الأسعار نفسها. لكن حين يتلمسون بأن الموضوع جدي والسائل مهتم يقومون بحسومات تبدأ بحوالى 20% وتصل إلى حدود 35% في بعض الأحيان”
لويس حبيقة : لا مجال لإنهيار الأسعار
من جهة أخرى، لا يوافق الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة على ” انهيار ” الأسعار، بل يجزم إنخفاضها نظراً للأوضاع الإقتصادية العامة التي يعيشها البلد. ورغم إفلاس إحدى الشركات العقارية، إلا أنه يرى أنه لا يمكن تعميم هذا الموضوع فقد تكون المشاكل التي عانت منها الشركة لا علاقة لها بقضية السيولة، في حين أن عدداّ من المستثمرين في قطاع البناء اليوم ليس مديوناً وبالتالي لن يستعجل بيع عقاراته أو شققه.
في هذا الإطار، يتحدث حبيقة عن ركود للقطاع تسمح للشاري بفرض بعض الأسعار وتختلف نسبة إنخفاض الأسعار بين مطوّر وآخر كما بين التقسيط والكاش حيث يصبح المطوّر أكثر طوعية لخفض السعر، خصوصاً وأن الودائع في المصارف عالية جداً، وبالتالي فكل راغب بشراء عقار أو شقة فقط ينتظر “لقطة” مناسبة!
حالة الركود المستمرّة قد يكسرها تشكيل الحكومة، إضافة إلى حل قضية الإسكان التي باتت قريبة برأي حبيقة، وعودة النازحين السوريين إلى بلادهم أمر مهمّ للإقتصاد بشكل عام وللقطاع بشكل خاص.
في استطراد صغير، يتحدّث حبيقة عن أهمية وجود قانون للإيجارات يتحرّك بالتوازي مع مؤشر غلاء المعيشة ويحلّ أزمة السكن في لبنان، فلا يضطر المواطن لشراء شقة بغير المواصفات المطلوبة أساساً بسبب قلّة السيولة، بل ينتظر لفترة محدةة يستأجر فيها إلى حين تحسّن وضعه الإقتصادي!!
بين حديث الحكيّم من جهة وحبيقة وكل من مكارم وموسى من جهة أخرى، تبقى الثابتة الوحيدة أن أسعار العقارات إلى انخفاض وبالتالي، إن صدقت توقعات الأوّل أو حافظت الأسعار على قيمتها ، يبقى الرابح الأكبر هو المواطن اللبناني الذي بات يرزح تحت ثقل متطلبات حياة جديدة ومكلفة.